Wednesday, December 9, 2020

جاليبولي

 

"أغمض عينيك ، تنفس بعمق " فتحت عيني في هلع "انتظر لا تتنفس أغمض عينيك أيضاً ألا يكفي أن هذا الغاز يحرق جلدك فتتركه يشوي أحشاؤك أيضاً " .

لم أنتظر قليلاً فالداخل فقد قام بسحبي الذين يرتدون زياً مضاد لغاز الخردل و بسرعة أهال علي بعضهم التراب و مواد كيميائية لا ادرى كنهها لتبطل مفعول هذا الغاز الشنيع .

أصبت بعدة حروق ، لكني كنت أكثر حظاً من زملائي الذين ذاب جلودهم و انصهرت أحشاؤهم فصاروا على أعتاب الموت لا يمكن أن ينقذهم منها أحد .

ألا يكفي عصبة الأمم تلك أنهم جروا الدولة العثمانية إلى الحرب جراً ، بل كذلك يستخدمون أشد الأسلحة فتكاً و وصل جحودهم إلى أن لقبوا بأنفسهم بالمدافعين عن الحرية و هم أكبر المستعمرين على هذه الأرض .

و الآن جمعوا عدتهم من كل مكان لتدمير إسطنبول و إسقاط الخلافة ، جنود من بريطانيا و فرنسا و إيطاليا و اليونان حتى أنهم أحضروا فرقاً من الهند و أستراليا و دعم هائل من الولايات المتحدة بل و مرتزقة أيضا، كل هذا من أجل السيطرة على جاليبولي و إسقاط الدولة العثمانية لكن و ايم الله لن يحدث هذا أبداً .

أفقت من حروقي تلك و قمت و استلمت بندقيتي و بضع خزائن الذخيرة و ذهبت إلى تجمع لبضعة جنود يتبادلون إطلاق النار مع البريطانيين ، اختبأت وراء ركام أحد البيوت و أخذت أطلق النار ، لم نكن نحرز أية إصابة ، كان العامل المشترك علينا جميعاً هو الخوف و قلة الحيلة ، أخذ يتساقط منا البعض و نحن ما زلنا نخطأ الهدف ، أخذت نفسي العميق و تمتمت "و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى بسم الله " دققت النظر ثم أطلقت و دوى إنفجار هائل .

لم أصب أحد البريطانيين في مقتل لكني أصبت إحد القنابل التي معه فتحول إلى أشلاء و معه أصدقاؤه ، كان هذا هو ما يحتاجه الجنود ليشعروا ببعض الأمل فقد أمسكوا أسلحتهم بثبات أكبر و كبروا و أصابوا بقية طلقاتهم .

لم ننتظر إنطلقنا إلى ذلك الموقع فقد كان أكثر تمركزاً و بالطبع وراؤه مئات البريطانيين الذين يجب أن يسقطوا .

أعدت تلقيم سلاحي و أطلقت على أحدهم ، أصبت قلبه غريب أن تفرح لموت أحدهم لكن هذا هو شعوري و هو من فضل أن يترك وطنه ليعاديني إذاً ما المانع ، بدأت تتساقط الخسائر من الطرفين لكن يمكنني أن أدرك أننا كنا لدينا الأفضلية ، ليس العددية بالطبع لكن طلقاتنا أصبحت تصيبهم في مقتل ، أطلق أحد البريطانيين نيرانه علي فاختبأت وراء الركام ثم أطلقت عليه ، أخطأته لأنه تواري وراء الساتر فأمسكت قنبلة و ألقيتها فأطاحت بيه لأرى واحدة عند قدمي ركلتها و سبحان الله قطعت طريقها لتنفجر في الهواء بجوار وجوههم

أدرك البريطانيون أنه لا قبل لهم بنا فقاموا بدفعة علينا ، وجدت أحدهم يتقدم إلي مسرعا موجهاً مقدمة بندقيته التي تحمل سكيناً إلي فلوحت ببندقيتي لأبعد الطرف المدبب عني و ضربت وجهه بظهر بندقيتي ثم أدرتها حولي لأصيب عنقه بسكيني تقدم نحوي آخر فشددت عنق البريطاني ليصيب الأخ أخاه في رأسه عوضاً عني فلكمته و شددت بندقيتي لأصيبه بينما ينهض من هذه اللكمة ، وجدت احد اخواني ملقياً على الأرض يصارع ليبعد البريطاني عنه فركضت موجهاً البندقية له لتخترق السكين جسده بقوه دفعتي و تطيح به و أسقط به على الأرض ، شددت السكين من جسده و يبدو أن شدي كان قوياً لأن تلك التلويحة التي قمت بها شقت عنق جندي آخر كان ورائي يستعد لشج رأسي و هنا هو حيث استسلم البريطانيون و ألقوا أسلحتهم ، قمنا بتقييده جيداً و أرسلناهم مع بعض الجنود ليصبحوا أول أسرى المعركة مصاحبينهم مع تكبيراتنا التي وصلت عنان السماء لقد أيقننا من نصر الله و ادركنا أنه قريب

أكملنا طريقنا لأسفل التل لنتبادل إطلاق النار مع أحد الكتائب الأسترالية ، كانوا على درجة من المهارة أن أسقطوا منا عدد لا بأس به لكن أظهرنا الله عليهم فأقسم أن أحد طلقاتي أصابت اثنين منهم و جرحت الثالث الذي اهتم به الطبيب و أرسله مع الجرحى الآخرين لأعلى التل .

أكملنا طريقنا بالطبع بدأنا نري البحر من بعيد و السفن البريطانية تطلق قذائفها الملعونة علينا ، أكملنا طريقنا غير مبالين إلى أن سقطت تلك القذيفة التي دفعتني بعيداً ، استيقظت ععلى صوت أحد المسعفين "انت استيقظ هل تسمعني " فتحت عيني بصعوبة و بدأت اراه يتحدث " لقد ضمدت جراحك الآن ضع يدك على كتفي و سأحملك لأعلى "

قلت له " لا لن أعود إلى أن ننتصر أو أحتسب عند الله شهيداً " " لك ما تريد أيها الجندي ، لك ما تريد " قال لي و نهض لإسعاف أحد آخر نهضت لأرى ماحدث ،

لابد أن تلك القذيفة قتلت عشرة من كتيبتنا نظرت إلى الجنود يصرخون و كل منهم فقد ذراعاً أو قدماً ، ابعض فقد نصفه السفلي تماماً و ظهرت أحشلؤه و استسلم لمصيره المحتوم .

مشهد كهذا كان ليحملني على البكاء إن لم يكن يملؤني ذلك الشعور بالغضب ، أمسكت سلاحي و لقمته و نزلت أسفل اطلق النار على البريطانيين ، أصيب اصدقائي العثمانيون بالدهشة من فعلتي لكنهم سرعان ما لحقوا بي و هم يكبرون ، كنا قوة حقيقية و صدق الرسول حين قال نصرت بالرعب مسيرة شهر ، فقد كانت تكبيراتنا تجمدهم و رصاصاتنا تقتلهم ، نظرت إلى تلك السفينة فالأفق ، لا بد أن تسقط هذه السفينة حتماً نظرت هناك إلى بقايا هذا الحصن هناك مدفع عملاق بدأ توجيه فوهته إلى تلك السفينة لكن قذيفة ما أصابت من يديرونه ، أصابني الذعر ، يجب أن أذهب لأساعد ، تقدمت وسط الجنود البريطانيين و اقتحمت صفوفهم و أخذت أصيبهم بطلقاتي و أشق عنوقهم بمقدمة سلاحي ، أحد الجنود ما زال حياً لقد قام لكن المدفع بحاجة إلى إعادة تلقيم لن يستطيع حمل الذخيرة وحده يجب أن أسرع لكن الكلام سهل من وراء صخرة ظهر جندي بريطاني و لكمني و سقطت أرضا تداركت نفسي بسرعة و وجهت نحوه سلاحي لكنه كان فوقي موجهاً سيفاً إلى عنقي ، لم أترك الخوف يتغلبني لأني ببساطة سحبت الزناد لتخترق الرصاصة رأسه و يسقط علي ، أزحته عني و نهضت لأرى معجزة تحدث أمامي ، ذلك الجندي هناك حمل وحده قذيفة يبلغ وزنها أكثر من نصف طن ، وزن لا يستطيع إنسان خارق حمله و أطلق المدفع ليرسل أكبر سفينة بريطانية فالحصار إلى أعماق البحر ، الجنود البريطانيون نظروا إلى هذا بدهشة و لا بد أنهم أدركوا أنه لا قبل لهم بمثل هذا ، كبر الجنود العثمانيون من كل صوب و نظرت بتشفٍ إلى أول بريطاني أمامي الذي قابلني بنظرة رعب و بدأ يركض " إنها بوادر النصر يا رجال الله أكبر " طاردنا البريطانيين إلى نهاية التل نأخذ منهم الأسرى قدرما نستطيع ، أخذت قذائفنا تصيب سفنهم الهاربة و لوهلة تخيلت الدولة العثمانية تنهض من الاركام لتستعيد أمجادها ، تستعيد أراضيها المحتلة من الامبراطورية الروسية التي سقطت فالفوضي و تسترد القدس من بريطانيا التي أنهكتها الحرب و أصابتها المجاعة .

بعد نهاية تلك المعركة وقفت أنظر للبحر من وراء تلك الخيالات ، إن نصر الله قريب أنا متأكد من هذا .

نادى منادى فالجنود فأنصتت " تليجراف من العاصمة ، تليجراف من العاصمة ، الحرب انتهت ، الدولة ستستجيب لنداء السلام و ستخضع لشروط عصبة الأمم "

لم أتمالك نفسي و السلاح يسقط من يدي ، بدأت أتخيل كل أولئك الذين ماتوا أمامي و بدأت أبكي ارواحهم ، ابكي عجزي ، ابكي بحرقة على استسلامهم .

No comments:

Post a Comment