"أغمض عينيك ، تنفس بعمق " فتحت عيني في هلع "انتظر
لا تتنفس أغمض عينيك أيضاً ألا يكفي أن هذا الغاز يحرق جلدك فتتركه يشوي أحشاؤك
أيضاً " .
لم أنتظر قليلاً فالداخل فقد قام بسحبي الذين يرتدون زياً مضاد لغاز
الخردل و بسرعة أهال علي بعضهم التراب و مواد كيميائية لا ادرى كنهها لتبطل مفعول
هذا الغاز الشنيع .
أصبت بعدة حروق ، لكني كنت أكثر حظاً من زملائي الذين ذاب جلودهم و
انصهرت أحشاؤهم فصاروا على أعتاب الموت لا يمكن أن ينقذهم منها أحد .
ألا يكفي عصبة الأمم تلك أنهم جروا الدولة العثمانية إلى الحرب جراً ،
بل كذلك يستخدمون أشد الأسلحة فتكاً و وصل جحودهم إلى أن لقبوا بأنفسهم بالمدافعين
عن الحرية و هم أكبر المستعمرين على هذه الأرض .
و الآن جمعوا عدتهم من كل مكان لتدمير إسطنبول و إسقاط الخلافة ، جنود
من بريطانيا و فرنسا و إيطاليا و اليونان حتى أنهم أحضروا فرقاً من الهند
و أستراليا و دعم هائل من الولايات المتحدة بل و مرتزقة أيضا، كل هذا
من أجل السيطرة على جاليبولي و إسقاط الدولة العثمانية لكن و ايم الله لن يحدث هذا
أبداً .
أفقت من حروقي تلك و قمت و استلمت بندقيتي و بضع خزائن الذخيرة و ذهبت
إلى تجمع لبضعة جنود يتبادلون إطلاق النار مع البريطانيين ، اختبأت وراء ركام أحد
البيوت و أخذت أطلق النار ، لم نكن نحرز أية إصابة ، كان العامل المشترك علينا
جميعاً هو الخوف و قلة الحيلة ، أخذ يتساقط منا البعض و نحن ما زلنا نخطأ الهدف ،
أخذت نفسي العميق و تمتمت "و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى بسم الله "
دققت النظر ثم أطلقت و دوى إنفجار هائل .
لم أصب أحد البريطانيين في مقتل لكني أصبت إحد القنابل التي معه فتحول
إلى أشلاء و معه أصدقاؤه ، كان هذا هو ما يحتاجه الجنود ليشعروا ببعض الأمل فقد
أمسكوا أسلحتهم بثبات أكبر و كبروا و أصابوا بقية طلقاتهم .
لم ننتظر إنطلقنا إلى ذلك الموقع فقد كان أكثر تمركزاً و بالطبع وراؤه
مئات البريطانيين الذين يجب أن يسقطوا .
أعدت تلقيم سلاحي و أطلقت على أحدهم ، أصبت قلبه غريب أن تفرح لموت
أحدهم لكن هذا هو شعوري و هو من فضل أن يترك وطنه ليعاديني إذاً ما المانع ، بدأت
تتساقط الخسائر من الطرفين لكن يمكنني أن أدرك أننا كنا لدينا الأفضلية ، ليس
العددية بالطبع لكن طلقاتنا أصبحت تصيبهم في مقتل ، أطلق أحد البريطانيين نيرانه علي
فاختبأت وراء الركام ثم أطلقت عليه ، أخطأته لأنه تواري وراء الساتر فأمسكت قنبلة
و ألقيتها فأطاحت بيه لأرى واحدة عند قدمي ركلتها و سبحان الله قطعت طريقها لتنفجر
في الهواء بجوار وجوههم
أدرك البريطانيون أنه لا قبل لهم بنا فقاموا بدفعة علينا ، وجدت أحدهم
يتقدم إلي مسرعا موجهاً مقدمة بندقيته التي تحمل سكيناً إلي فلوحت ببندقيتي لأبعد
الطرف المدبب عني و ضربت وجهه بظهر بندقيتي ثم أدرتها حولي لأصيب عنقه بسكيني تقدم
نحوي آخر فشددت عنق البريطاني ليصيب الأخ أخاه في رأسه عوضاً عني فلكمته و شددت بندقيتي
لأصيبه بينما ينهض من هذه اللكمة ، وجدت احد اخواني ملقياً على الأرض يصارع ليبعد
البريطاني عنه فركضت موجهاً البندقية له لتخترق السكين جسده بقوه دفعتي و تطيح به و
أسقط به على الأرض ، شددت السكين من جسده و يبدو أن شدي كان قوياً لأن تلك التلويحة
التي قمت بها شقت عنق جندي آخر كان ورائي يستعد لشج رأسي و هنا هو حيث استسلم
البريطانيون و ألقوا أسلحتهم ، قمنا بتقييده جيداً و أرسلناهم مع بعض الجنود ليصبحوا
أول أسرى المعركة مصاحبينهم مع تكبيراتنا التي وصلت عنان السماء لقد أيقننا من نصر
الله و ادركنا أنه قريب
أكملنا طريقنا لأسفل التل لنتبادل إطلاق النار مع أحد الكتائب
الأسترالية ، كانوا على درجة من المهارة أن أسقطوا منا عدد لا بأس به لكن أظهرنا
الله عليهم فأقسم أن أحد طلقاتي أصابت اثنين منهم و جرحت الثالث الذي اهتم به
الطبيب و أرسله مع الجرحى الآخرين لأعلى التل .
أكملنا طريقنا بالطبع بدأنا نري البحر من بعيد و السفن البريطانية
تطلق قذائفها الملعونة علينا ، أكملنا طريقنا غير مبالين إلى أن سقطت تلك القذيفة
التي دفعتني بعيداً ، استيقظت ععلى صوت أحد المسعفين "انت استيقظ هل تسمعني
" فتحت عيني بصعوبة و بدأت اراه يتحدث " لقد ضمدت جراحك الآن ضع يدك على
كتفي و سأحملك لأعلى "
قلت له " لا لن أعود إلى أن ننتصر أو أحتسب عند الله شهيداً
" " لك ما تريد أيها الجندي ، لك ما تريد " قال لي و نهض لإسعاف
أحد آخر نهضت لأرى ماحدث ،
لابد أن تلك القذيفة قتلت عشرة من كتيبتنا نظرت إلى الجنود يصرخون و
كل منهم فقد ذراعاً أو قدماً ، ابعض فقد نصفه السفلي تماماً و ظهرت أحشلؤه و
استسلم لمصيره المحتوم .
مشهد كهذا كان ليحملني على البكاء إن لم يكن يملؤني ذلك الشعور بالغضب
، أمسكت سلاحي و لقمته و نزلت أسفل اطلق النار على البريطانيين ، أصيب اصدقائي
العثمانيون بالدهشة من فعلتي لكنهم سرعان ما لحقوا بي و هم يكبرون ، كنا قوة
حقيقية و صدق الرسول حين قال نصرت بالرعب مسيرة شهر ، فقد كانت تكبيراتنا تجمدهم و
رصاصاتنا تقتلهم ، نظرت إلى تلك السفينة فالأفق ، لا بد أن تسقط هذه السفينة حتماً
نظرت هناك إلى بقايا هذا الحصن هناك مدفع عملاق بدأ توجيه فوهته إلى تلك السفينة
لكن قذيفة ما أصابت من يديرونه ، أصابني الذعر ، يجب أن أذهب لأساعد ، تقدمت وسط
الجنود البريطانيين و اقتحمت صفوفهم و أخذت أصيبهم بطلقاتي و أشق عنوقهم بمقدمة
سلاحي ، أحد الجنود ما زال حياً لقد قام لكن المدفع بحاجة إلى إعادة تلقيم لن
يستطيع حمل الذخيرة وحده يجب أن أسرع لكن الكلام سهل من وراء صخرة ظهر جندي
بريطاني و لكمني و سقطت أرضا تداركت نفسي بسرعة و وجهت نحوه سلاحي لكنه كان فوقي
موجهاً سيفاً إلى عنقي ، لم أترك الخوف يتغلبني لأني ببساطة سحبت الزناد لتخترق
الرصاصة رأسه و يسقط علي ، أزحته عني و نهضت لأرى معجزة تحدث أمامي ، ذلك الجندي
هناك حمل وحده قذيفة يبلغ وزنها أكثر من نصف طن ، وزن لا يستطيع إنسان خارق حمله و
أطلق المدفع ليرسل أكبر سفينة بريطانية فالحصار إلى أعماق البحر ، الجنود
البريطانيون نظروا إلى هذا بدهشة و لا بد أنهم أدركوا أنه لا قبل لهم بمثل هذا ،
كبر الجنود العثمانيون من كل صوب و نظرت بتشفٍ إلى أول بريطاني أمامي الذي قابلني
بنظرة رعب و بدأ يركض " إنها بوادر النصر يا رجال الله أكبر " طاردنا
البريطانيين إلى نهاية التل نأخذ منهم الأسرى قدرما نستطيع ، أخذت قذائفنا تصيب
سفنهم الهاربة و لوهلة تخيلت الدولة العثمانية تنهض من الاركام لتستعيد أمجادها ،
تستعيد أراضيها المحتلة من الامبراطورية الروسية التي سقطت فالفوضي و تسترد القدس
من بريطانيا التي أنهكتها الحرب و أصابتها المجاعة .
بعد نهاية تلك المعركة وقفت أنظر للبحر من وراء تلك الخيالات ، إن نصر
الله قريب أنا متأكد من هذا .
نادى منادى فالجنود فأنصتت " تليجراف من العاصمة ، تليجراف من
العاصمة ، الحرب انتهت ، الدولة ستستجيب لنداء السلام و ستخضع لشروط عصبة الأمم
"
لم أتمالك نفسي و السلاح يسقط من يدي ، بدأت أتخيل كل أولئك الذين
ماتوا أمامي و بدأت أبكي ارواحهم ، ابكي عجزي ، ابكي بحرقة على استسلامهم .
No comments:
Post a Comment