دائما ما كان يظهر الكلام في رأسي كاملاً بلا نقصان في صيغة لو خرجت
أحسد عليها لكن الواقع للأسف قد يكون مخذلاً بعض الشئ .
يمكنني ان اقول ان هذا طبيعي في حالة الحديث فقد يتلعثم الشخص و هو
يحاول ترتيب أفكاره و إظهار وجهة نظره لكن الغريب ان هذا يحدث أيضاً أثناء الكتابة .
لذلك أرى ان الكاتب البارع هو شخص يستطيع ان يعرض أفكاره كاملة بصورة
مثالية على الأوراق و ان المحاور البارع هو من ينقل لك ما داخل عقله شفهياً.
هل تساءلت عن ماهية الشخص الذي يحاول في يأس عرض أفكاره .
أنا كاتب او ارى أني كاتب ، عجزت دوما عن عرض أفكاري شفهياً دون لعثمة
لكني فشلت فتوجهت لعرضها في ثنيات الصفحات و لكن مع ذلك فشلت في هذا أيضاً فوجهت
نفسي نحو كلية الآداب لعلي أتعلم كيف أكتب طالما لا أدري كيف اتحدث .
لكن معضلتي كانت تحمل في طياتها ما جلب لي من الندم ما لا اتحمله و من
الفرح ما لم اتوقعه .
كانت حياتي الجامعية في بدايتها بائسة متحجرة فلم أذكر اني عرفت في
يوم صديق و لا أذكر أن قمت بالرد على شخص إلا
بتهتهة فظيعة و خجل يكاد يفجر وجنتاي مع هرب حتى لا يرى أحد وجهي .
حتى أساتذة الجامعة لم يسلموا مني
"حسناً يا هذا ماذا
يمكنك ان تخبرني عن نشأة مدارس الشعر الحديث"
"يمكننا ان اه ربما
مممم النشأة كانت مع ايه"
"هل تمزح معي يا فتى،
حسناً ربما لا تدري هذا ، اذكر لي نصاً من مدرسة المهاجر أي نص تتذكره "
"حسناً هذا النص ايه ل.....
إيليا أبو ماضي يقول فيه هيييه"
" حسناً ايها الفتى
يمكنك أن تذهب "
كان هذا المشهد يتكرر معي في كل اختبار شفوي أحضره و كان يؤثر علي
بشدة فلا يكفي أني ليس لي صديق بل حتى لا أستطيع ان اجيب بشكل جيد على أي سؤال
فاتجهت مرة اخرى إلى الكتابة و أخذت أكتب قصصاً على أمل ان يراها أحد في يوم من
الأيام و يدلي رايه فيها
لم أكن لأريها لأحدهم فأنا أجبن من أن اريها لأحد لكنها وقعت في يد
أحدهم في لمسة جميلة من لمسات القدر ، لمسة أدين لها بحياتي .
الحق أني كنت أظن نفسي كاتباً حقاً فكنت اخط ما اكتبه على ورق مبعثر
فهي قصص قصيرة على أية حال و بينما انا أمشي في أحد الأروقة انتزعني من سكوني هوس رهيب
.
رأيتها تمشي في رقة و تعلق نظري بها ، لم تك تلقي بالاً و لو فعلت لمت
خوفاً و لكن هذا شجعني على إطالة النظر حتى اصطدمت بأحدهم و تنعثرت أوراقي
فالأرجاء .
" معذرة يا "
" لا لا لا ، لا تحاول الاعتذار ما انت
بقادر على إنهاء جملك ولا انا سأتحمل الوقوف لسماعك طوال النهار خذ ها هي أشيائك
"
شعرت بالضيق نوعاً للفظه لي بهذا الشكل لكني أدركت انه محق فشكرته في
سري ، و نظرت لها نظرة أخيرة كانت تمسك ورقة و تقرأها في تمعن انها انها ،انها أحد
قصصي !!
" هل انت من كتبت هذا "
قالت لي هذا فلم أرد و هربت مسرعاً
فاليوم التالي رأيتها فالمحاضرة أخذت اتأمل فيها قليلاً فنظرت لي ،
تملكني الخوف و هربت من عيونها بسرعة و اكاد اجزم اني كنت اسمع صوت دقات قلبي ، بل
كاد صوتها يفتك بأذني .
خرجت من المحاضرة و انا اتحاشى ان القاها لكن اعتقد ان حياتي هي سلسال
من الفشل لأني وجدتها أمامي
" اتحداك ان تتحرك من مكانك كل ما اريده ان
اتحدث معك قليلاً لم الخوف "
لم ارد بالطبع بل كنت انظر نظرات يتملكها الرعب و الخوف
كانت عيناي جاحظتان حتى كادا ان يخرجا عن موضعهما .
لاحظت هذا و امسكت يدي و قالت لي أن أهدأ و سحبتني معها حتى المكتبة و
أخرجت هناك الورقة
" لقد قرأت قصتك انها
رائعة هل كتبت المزيد"
بنفس النظرات التي أصبحت تهرب بكل السبل من عينيها أخرجت عدة ورقات
كانت معي و ناولتها إياها
" ما زلت مصراً على عدم الحديث ، هل انت
مصر على ان تغضبني"
رددت و ربما هذه أول مرة احدث فتاة كما كانت اول مرة انجذب لواحدة
" لا لا ، لا تغضبي"
" هكذا أليس هذا أفضل"
اخذت تطالع الأوراق و في وجهها ابتسامة و كل مدى تنظر لي و ابتسامتها
تتسع و ترشق في صدري أسهم الأمل و الراحة و ، و الإعجاب .
أخذنا نتحدث ، كانت هي من يحمل لواء الحديث بالطبع ، لكني كنت اواصل
الكلام اتعثر حيناً و اتلعثم أحياناً لكني اتحدث .
ظللنا على هذا الحال أيام نلتقي و نتحدث و تقرأ ما اكتب و تعطيني
رأيها و انا في أشد حالاتي سعادة و غبطة .
الآن اصبحت لا اكتب لأجلي بل كنت أحياناً اكتب من أجلها ، من أجل اسمع
كلمة منها فقط ، من أجل ان احظى بشرف رؤيتها .
اصبحت ما يقال عنه اجتماعيا و كانت هذه مفاجأة لكل من كانوا في دفعتي
و للأساتذة أيضاً على حد سواء.
لم أكن في حاجة إلى أن أدخل كلية بعينها لأستطيع الكلام .
بل كنت في حاجة لمن يشجعني عليه و قد وجدت .
ادين بحياتي للمسة من لمسات القدر و لإبتسامة تقتلع صدري من ضلوعه كلما
رأيتها
No comments:
Post a Comment